تغير المناخ 2001: التخفيف
تقاريرخرى في هذه المجموعة

10 الأطر التحليلية للقرارات

الشكل 10a: الاستراتيجية المثالية لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، باستخدام منهج لفعالية الكلفة.

10-1 مجال تحليلات قرارات تغير المناخ وتطوراتها الجديدة

إن أطر صناعة القرار فيما يتعلق بتغير المناخ تضم عدة مستويات تتراوح بين المفاوضات العالمية والخيارات الفرضية، والعديد من العوامل ذات المصادر المختلفة للثروة، بالإضافة إلى القيم والطموحات المتباينة. ولعل ذلك يفسر صعوبة الوصول إلى استراتيجية للإدارة يقبل بها الجميع. فالتفاعل الدينامي بين القطاعات الاقتصادية وما يرتبط بها من مجموعات المصالح الاجتماعية، يجعل من الصعب الوصول إلى موقف قطري يمكن طرحة في المحافل الدولية في المقام الأول. فصعوبات المفاوضات الدولية حول المناخ، تأتي من المواقف القطرية المتشعبة والمبهمة، بالإضافة إلى الارتباط بين سياسات تغير المناخ والأهداف الاجتماعية الاقتصادية الأخرى.

ولا يوجد إطار لصناعة القرار يعكس هذا التنوع بثرائه العريض. ومع ذلك، فقد حقق المحللون تقدما ملموسا في عدة اتجاهات منذ تقرير التقييم الثاني. فقد استطاعوا- أولا- إدماج عدد متزايد من القضايا في إطار تحليلي واحد لكي يستطيعوا القيام بتقدير متسق داخليا للعناصر والعمليات والنظم الفرعية التي ترتبط فيما بينها ارتباطا وثيقا. وتعطي نماذج التقرير المتكاملة التي نجمت عن ذلك- والمشار إليها في الفصل 9، بل وفي جميع أجزاء التقرير- نظرات ثاقبة في عدد من القضايا المتعلقة بسياسات المناخ لصناع السياسات. كما ازداد اهتمام العلماء- ثانيا- بالإطار الأوسع للقضايا المتعلقة بالمناخ التي لم تحظ من قبل بأي اهتمام، أو حظيت باهتمام هامشي. وشملت اهتماماتهم- إلى جانب عناصر أخرى- إدماج القضايا المتعلقة بالتنمية والاستدامة والإنصاف في التقرير الحالي.

إن تغير المناخ يختلف اختلافا شديدا عن أغلب المشكلات البيئية الأخرى التي واجهتها الإنسانية. وهناك العديد من العوامل التي جعلت مشكلة المناخ فريدة في نوعها. ومن بين هذه العوامل قضايا المنفعة العامة التي تنشأ من تركيز انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الحوي وتحتاج إلى إجراء عالمي جماعي، وتعدد صناع القرار الذين يتراوحون بين المستوى العالمي والمستوى الصغير للشركات والأفراد، وعدم تجانس هذه الانبعاثات وما يترتب عليها في مختلف أنحاء العالم. ثم أن الطبيعة طويلة الأجل لتغير المناخ تنشأ عن أن النقطة المهمة هنا هي تركيزات انبعاثات غازات الدفيئة لا عن الكميات السنوية لهذه الانبعاثات، وهو ما يثير القضايا الشائكة لانتقال الثروات من جيل إلى جيل وما هو الصواب والخطأ بالنسبة للبيئة. ثم أن الأنشطة الإنسانية المرتبطة بتغير المناخ لا حصر لها، الأمر الذي يجعل العثور على حلول تكنولوجية محددة أمرا مستحيلا، كما أن التفاعل بين سياسات المناخ وبين السياسات الاجتماعية الاقتصادية الأوسع هو تفاعل قوي. وأخيرا، فإن القدر الكبير من عدم اليقين، بل والجهل التام في بعض المجالات هو ما تتسم به جوانب كثير من المشكلة، ويتطلب اتباع منهج لإدارة المخاطر في جميع أطر صناعة القرار التي تتعرض لتغير المناخ.

الشكل 10b: استراتيجية التحوط المثالية للاحتمال الأدنى، سيناريو النتائج العالية باستخدام منهج أمثل لفعالية الكلفة.

ومن هنا لا مفر لصناع السياسات من مواجهة قدر كبير من عدم اليقين في اختيارهم لردود مناسبة. فقد استخدمت مجموعة كبيرة من الأدوات لمساعدتهم في التوصل إلى خيارات أساسية. فللإطار من إطارات تحليل القرارات هذه محاسنه ومساوئه في قدرته على معالجة بعض الصعوبات السابق ذكرها معالجة حسنة، ولكنه لا يستطيع حل المشكلات الأخرى بنفس القدرة. والتحليلات ا لأخيرة، بأدواتها المعروفة، مثل تحليل التكاليف والمنافع، وكذلك الأطر الجديدة مثل نوافذ الاحتمال ومنهج الهبوط الآمن تعطي أفكارا جديدة لحل هذه المشكلة.

بين الشكل 10a نتائج تحليل فعالية الكلفة الذي يستكشف أفضل استراتيجية تحوطية عندما لا تحل مشكلة عدم اليقين بالنسبة لهدف الاستقرار في الأجل الطويل حتى عام 2020، بما يوحي بأن التخفيف خلال السنوات القليلة المقبلة سيكون له قيمته الاقتصادية إذا كان هناك احتمال ملموس بالبقاء دون الحد الذي لولا ذلك لوصلنا إليه خلال الفترات الزمنية المحددة للنظم التي تنتج غازات الدفيئة. هناك حساسية في درجة التحوط في الأجل القصير في التحليل السابق لتاريخ حل مشكلة عدم اليقين، والقصور الذاتي في نظام الطاقة، ولضرورة تحقيق الهدف النهائي للتركيزات (بمجرد إعلانه) بأي ثمن. وتبين التجارب الأخرى، كنماذج التكلفة والمنافع المتأطرة كمشكلة تحليل قرار Bayesian أن أفضل طرق للانبعاثات في الأجل القصير (العشرون عاما المقبلة) لا يحدث بها سوى تغيير طفيف إذا كان هناك بعد نظر واضح، مع التحوط حتى للاحتمالات الضعيفة، والسيناريوهات التي تحتوي على نتائج مؤثرة (انظر الشكل 10b). ومع ذلك، ربما يتعين اتخاذ القرارات المتعلقة بسياسات المناخ في الأجل القصير أثناء مناقشة أهداف التثبيت. ولذا فإن عملية اتخاذ القرار ينبغي أن تفكر في التحوط المناسب في مواجهة القرار المستقبلي لهذا الهدف واحتمال إعادة النظر في الأفكار العلمية الخاصة بمخاطر تغير المناخ. وهناك اختلافات ملموسة في هذين المنهجين. ففي تحليل فعالية الكلفة، ينبغي تحديد الهدف بغض النظر على التكاليف. أما في تحليل التكاليف والمنافع، فإن التكاليف والمنافع تتوازن على الهامش. ومع ذلك، فإن الرسالة الأساسية تكاد تكون واحدة، وتشمل الإدراج الواضح لعدم اليقين، وما يترتب على ذلك بمرور الوقت. أما القدر المناسب من التحوط، فيتوقف على تقدير الفرد للمخاطر والمفاجآت وتكاليف تدابير السياسات. أما علاوة الخطر- وهي المبلغ الذي يكون المجتمع على استعداد لدفعه لتقليل المخاطر- فهو في النهاية قرار سياسي ويختلف من بلد إلى آخر.

وتسعى تحليلات فعالية الكلفة إلى أقل التكاليف لتحقيق الأهداف البيئية، بتوزيع التكاليف الحدية للتخفيف على الزمان والمكان. فدراسات فعالية الكلفة طويلة الأجل تقدر تكاليف تثبيت تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي على مستويات مختلفة، وتستخلص أن تكاليف الحد الأقصى عند 450 جزء من المليون من حيث الحجم أكبر بكثير من تكاليف الحد الأقصى عند 750 جزء من المليون من حيث الحجم. فبدلا من السعي إلى طريق أمثل واحد، فإن منهج النوافذ المحتملة/ الهبوط الآمن تسعى إلى تحديد مجموعة كاملة من الطرق المحتملة للانبعاث تتفق وتأثيرات المناخ المحددة خارجيا ومشكلات تكاليف الانبعاثات. وتشير النتائج إلى أن التأخير في التخفيض الفعال للانبعاثات في المدى القصير، قد يقلل بصورة خطيرة من مجموعة الخيارات في المستقبل لتحديد أهداف ضيقة نسبيا لتغير المناخ، في الوقت الذي تتيح فيه الأهداف الواسعة نسبيا فرصة أكبر للمرونة في الأجل القصير.

10-2 الأحكام الدولية وخيارات السياسات

لاشك أن هيكل ومواصفات الاتفاقيات الدولية الخاصة بتغير المناخ، سيكون لهما تأثير ملموس على فعالية وتكاليف وفوائد التخفيف. ويتوقف تأثير الأحكام الدولية لتغير المناخ وتكاليفها وفوائدها (مثل بروتوكول كيوتو أو غيره من الاتفاقيات المحتملة في المستقبل) على عدد الموقعين على الاتفاقية والأهداف التي حددوها للتخفيف و/ أو الالتزامات في مجال السياسات. وفي نفس الوقت، فإن عدد الموقعين على الاتفاقية يتوقف على كيفية الاقتسام العادل للالتزامات بين المشاركين. ومن هنا تتضح العلاقة القوية بين الكفاءة الاقتصادية (تقليل التكاليف بزيادة المشاركين) وبين الإنصاف (تحديد الالتزامات بحدود الانبعاثات).

وهناك علاقة ثلاثية بين تصميم الأحكام الدولية، وفعالية الكلفة/ كفاءة السياسات المناخية، والإنصاف في النتائج الاقتصادية التالية. ويترتب على ذلك، أن هناك أهمية لتصميم الأحكام الدولية بطريقة تتسم بالكفاءة والإنصاف في آن واحد. وتعطي الكتابات في هذا الموضوع استراتيجيات نظرية مختلفة لتحسين صورة الأحكام الدولية. وكمثال، يمكن جعل هذه الأحكام أكثر جاذبية للبلدان لكي تنضم إلى المجموعة التي تلتزم بأهداف معينة للحد من الانبعاثات وتخفيض هذه الانبعاثات، بزيادة العدالة في اتفاقية واسعة- وبالتالي زيادة الكفاءة- عن طريق إجراءات مثل التوزيع المناسب للأهداف على امتداد فترة زمنية، وربط قضية المناخ بالقضايا الأخرى ("قضية الربط") واستخدام التحويلات المالية إلى البلدان المتضررة ("مدفوعات جانبية")، أو اتفاقيات لنقل التكنولوجيا.

هناك اعتباران هامان آخران يؤثران في تصميم الأحكام الدولية، هما: "التنفيذ" و "الامتثال ". ففعالية النظام، وهي دالة التنفيذ والامتثال معا، ترتبط بالتغيير الفعلي في السلوك الذي يشجع أغراض الاتفاقية. فالتنفيذ يعني ترجمة الاتفاقات الدولية إلى قانون محلي، وسياسات ولوائح بمعرفة الحكومات الوطنية. أما الامتثال فيرتبط بما إذا كانت البلدان تلتزم بالفعل بأحكام الاتفاق، ومدى هذا الالتزام. أما المتابعة وكتابة التقارير والتحقق فهي أمور ضرورية لفعالية الأحكام الدولية المتعلقة بالبيئة، حيث أن أعمال المتابعة والتقييم والمعالجة المستمرة لفشل التنفيذ كانت نادرة نسبيا حتى الآن. ولكن الجهود التي تبذل الآن لوضع "نظم لمراجعة التنفيذ"بدأت تتزايد، ودخلت بالفعل في هيكل اتفاقية الأهم المتحدة الإطارية لتغير المناخ. والتحدي الذي يواجهنا في المستقبل، هو أن نجعل هذه النظم أكثر تأثيرا، وبالأخص بتحسين البيانات المتعلقة بالانبعاثات والسياسات والإجراءات القطرية.



تقارير أخرى في هذه المجموعة