تشير تقديرات دراسات فعالية الكلفة التي تمتد لقرن كامل إلى أن تكاليف استقرار تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، تزيد كلما انخفضت مستويات استقرار هذه التركيزات. ولاشك أن الأسس المختلفة لها تأثير قوي على التكاليف المطلقة. وإذا كانت هذه الزيادة معقولة عند الانتقال من 750 جزء من المليون من حيث الحجم إلى 550 جزء من المليون من حيث الحجم فإن هذه الزيادة تتسع عند الانتقال من 550 جزء من المليون من حيث الحجم إلى 450 جزء من المليون من حيث الحجم، ما لم يكن الانبعاث منخفضا للغاية عند نقطة البداية. ولكن هذه النتائج، لا تشمل امتصاص الكربون أو الغازات الأخرى بخلاف ثاني أكسيد الكربون، ولم تتعرض للنتائج المحتملة لأي أهداف طموحة للتغيرات التكتولوجية المستحثة29. ولاختيار السيناريو المرجعي تأثير قوي بشكل خاص. فالدراسات الأخيرة التي تستخدم السيناريو المرجعي الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ كقاعدة أساسية تحلل على أساسها مدى الاستقرار، توضح بجلاء أن الانخفاض المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي في أغلب سيناريوهات الاستقرار التي جرت دراستها هنا تقل عن 3% من قيمة نقطة الأساس (بلغ الحد الأقصى للانخفاض في جميع سيناريوهات الاستقرار 6.1% في السنة). وفي نفس الوقت، أظهرت بعض السيناريوهات (وخاصة في مجموعة A1T) زيادة في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالأساس بسبب التغذية الاقتصادية المرتدة الإيجابية لتطور التكنولوجيا ونقله. وسيصل الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي (بمتوسطه عند الأساس ومستويات الاستقرار) إلى حده الأدنى في عام 2020 (1%)، حيث يصل إلى أقصى مداه في 2050 (1.5%) ثم ينخفض في 2100 (1.3%). ولكن سيناريو المجموعات التي تبدأ بأعلى مستويات من الانبعاثات (A2- A1FI), يزداد الارتفاع في الناتج المحلي الإجمالي طول فترة النموذج. ونظرا لصغر حجمها نسبيا عند مقارنتها بمستويات الناتج المحلي الإجمالي المطلق، فإن التخفيض في هذا الناتج بعد سيناريو التقرير الخاص بالاستقرار، لا يؤدي إلى انخفاض ملموس في معدلات نمو هذا الناتج خلال القرن. وكمثال، فإن معدل الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي في الفترة 1990- 2100 في جميع تصورات الاستقرار، انخفض في المتوسط بنسبة لا تتعدى 0.003% ست ويا، مع وصول هذه النسبة في حدها الأقصى إلى 0.06% سنويا.
إن ما يحدد تركيزات ثاني أكسيد الكرب ون في الغلاف الجوي هو الانبعاثات المتراكمة وليس الانبعاثات سنة بسنة. ومعنى هذا، أن أي هدف محدد لهذه التركيزات يمكن تحقيقه بطرق عديدة للانبعاثات. وهناك العديد من الدراسات التي توحي بأن اختيار طريقة الانبعاثات قد تكون بنفس أهمية الهدف في تحديد التكاليف الكلية للتخفيف. وتنقسم هذه الدراسات إلى فئتين: تلك التي تفترض أن الهدف معروف، وتلك التي تصف المسألة بأنها اتخاذ قرار في ظروف من عدم اليقين.
فبالنسبة للدراسات التي تفترض معرفة الهدف، فإن المسألة تكون هي تحديد أرخص طريقة للتخفيف من أجل تحقيق الهدف المحدد. وهنا يمكن وصف اختيار الطريقة بأنها مشكلة ميزانية الكربون. وقد عولجت هذه المشكلة من زاوية ثاني أكسيد الكربون فقط مع معالجة محدودة للغاية للانبعاثات غازات الدفيئة الأخرى. ويحدد هدف التركيز الكمية المسموح بانبعاثها من الكربون في الغلاف الجوي من الآن وحتى التاريخ المحدد لتحقيق الهدف. والقضية هنا هي ماهية أفضل طريقة لتخفيض ميزانية الكربون بمرور الوقت.
وقد خلصت أغلب الدراسات التي سعت إلى معرفة أرخص طريقة لتحقيق هدف معين إلى أن هذه الطريقة تميل إلى السير ببطء من نقطة الأساس في النموذج في السنوات الأولى، ثم يتسارع التخفيض بعد ذلك. وهناك أسباب عديدة لهذا. فالتحول التدريجي في الأجل القريب من نظام الطاقة الحالي في العالم، يقلل من استعادة رؤوس الأموال الحالية قبل الأوان، ويتيح الوقت لتطوير التكنولوجيا، وتلافي استبعاد الأجيال الأولى من تكنولوجيا الانبعاثات المنخفضة التي تتطور بسرعة. وعلى الجانب الآخر، فإن الأعمال الشجاعة في الأجل القريب ستقلل من المخاطر البيئية المرتبطة بالتغيرات السريعة في المناخ، وتحفز على التطوير السريع لتكنولوجيات الانبعاثات المنخفضة الحالية (انظر أيضا القسم 8-10), وتعطي حوافز قوية في الأجل القريب للتغيرات التكنولوجية في المستقبل التي قد تساعد على تلافي استبعاد التكنولوجيات كثيفة الكربون، وتسمح بتقييد الأهداف فيما بعد، إذا رئي أن ذلك من الأفضل في ضوء الفهم العلمي ا لمتطور.
كما ينبغي أن نلاحظ أنه كلما انخفض الهدف المقرر لتركيزات الكربون، قلت ميزانية الكربون، وبالتالي حدثت السرعة في الانتقال من خط الأساس. ومع ذلك، وحتى لو كان الهدف المحدد لتركيزات الكربون مرتفعا، فإن الانتقال التدريجي من خط الأساس لا ينفي ضرورة الإسراع بالعمل. فجميع الأهداف المحددة للاستقرار تتطلب أن تركز الأصول الرأسمالية في المستقبل بصورة أقل على الكربون. ولذلك تأثيراته المباشرة على قرارات الاستثمار في الأجل القصير. فخيارات العرض الجديدة تأخذ عادة عدة سنوات لتدخل إلى الأسواق. ويحتاج الأمر إلى التزام فوري ومستدام بالبحوث والتطوير إذا أردنا تطوير بدائل رخيصة لتخفيض الكربون عند الحاجة.
وقد ناقشنا فيما سبق قضية تكاليف التخفيف. ومن المهم أيضا دراسة التأثيرات البيئية لاختيار طريقة من طرق تخفيف الانبعاثات دون أخرى. ويرجع ذلك إلى أن طرق تخفيف الانبعاثات تنطوي على تكاليف مختلفة لتخفيض الانبعاثات، بل وعلى فوائد مختلفة من حيث تلافي الآثار البيئية (انظر القسم 10).
ولاشك أن افتراض معرفة الهدف بصورة مؤكدة، هو بالطبع، تبسيط مخل. ولحسن الحظ، فإن اتفاقية الأهم المتحدة الإطارية لتغير المناخ تعترف بالطبيعة الدينامية لمشكلة اتخاذ القرار. فهي تدعو إلى استعراضات دورية "في ضوء أفضل المعلومات العلمية عن تغير المناخ وتأثيراته ". والهدف من عملية صناعة القرار هذه هو معرفة الاستراتيجيات التحوطية قصيرة الأجل في مواجهة عدم اليقين على المدى البعيد. فالسؤال هنا ليس "ما هو أفضل طريق للعمل في المائة سنة المقبلة" و إنما هو "ما هو أفضل طريق للعمل في الأجل القصير مع عدم اليقين في المدى البعيد".
سعت دراسات عديدة إلى معرفة أفضل استراتيجية تحوطية قصيرة الأجل تقوم على عدم اليقين بالنسبة للأهداف بعيدة المدى. وقد تبين من هذه الدراسات أن القدر المستحسن من التحوط يعتمد على تقدير الفرد للمخاطر والمفاجآت وتكاليف التخفيف. فبدل الخطر- وهو المبلغ الذي يكون المجتمع على استعداد لدفعه تجنبا للخطر- هو في النهاية قرار سياسي يختلف من دولة إلى أخرى.
تميل أغلب النماذج المستخدمة في تقدير تكاليف تحقيق هدف معين للتخفيف إلى التبسيط المخل لعملية التغير التكنولوجي. فقد جرت العادة على افتراض أن معدل التغير التكنولوجي لا علاقة له بمستوى ضبط الانبعاثات. فهذا التغير يوصف بأنه مستقل بذاته. ولكن قضية التغير التكنولوجي المستحث بدأت تلقى اهتماما متزايدا في السنوات الأخيرة. فالبعض يقول أن هذا التغير قد يؤدي إلى انخفاض ملموس في تكاليف سياسة تخفيف ثاني أكسيد الكربون، بل وقد يلغيها تماماً. أما البعض الآخر فهو أقل تفاؤلا بالنسبة لتأثير التغير التكنولوجي المستحث.
وتشير البحوث الأخيرة إلى أن التأثير على عنصر الوقت يتوقف على مصدر التغير التكنولوجي. فعندما تكون قناة التغير التكنولوجي هي البحوث والتطوير، فإن التغيير التكنولوجي المستحث يجعل من الأفضل التركيز على جهود التخفيف في المستقبل. والسبب في ذلك هو أن التغير التكنولوجي يقلل تكاليف التخفيض في المستقبل مقارنة بجهود التخفيف الآن، الأمر الذي يعطي التركيز على التخفيف في المستقبل فعالية أكبر في الكلفة. أما عندما تكون قناة التغيير التكنولوجي هي التعلم بالممارسة، يكون للتغيير التكنولوجي المستحث تأثير مزدوج على الوقت الأمثل للتخفيف. فهو من ناحية، يجعل التخفيف في المستقبل أقل كلفة، وهو ما يعني استحسان التركيز على جهود التخفيف في المستقبل. ومن ناحية أخرى، يعطي قيمة مضافة للتخفيف في الوقت الراهن لأن مثل هذا التخفيف يساهم في الخبرة أو التعلم، ويساعد في تخفيض تكاليف التخفيف في المستقبل. أما ما هو التأثير الذي سيكون له الغلبة من بين هذين التأثيرين، فمسألة تتوقف على الطبيعة الخاصة للتكنولوجيات ودالة التكلفة.
وهناك بعض السلوكيات الاجتماعية التي قد تقاوم أو ترحب بالتغير التكنولوجي. ولذا فإن إثارة الوعي العام والتوعية قد يساعد في تشجيع التغيرات الاجتماعية لكي تخلق بيئة مواتية للابتكارات التكنولوجية ونشرها. ولاشك أن ذلك مجال جديد للبحث.
تقارير أخرى في هذه المجموعة |