تتيح الغابات والأراضي الزراعية وغيرها من النظم الايكولوجية الأرضية إمكانية كبيرة لتخفيف الانبعاثات وان كانت إمكانيات مؤقتة. فعمليات الحفظ والامتصاص تتيح بعض الوقت لوضع خيارات أخرى وتنفيذها. وقدر تقرير التقييم الثاني الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأنه من الممكن حفظ أو امتصاص نحو 60 إلى 87 جيغا طن كربون في الغابات عام 2050 ثم امتصاص 23 إلى 44 جيغا طن كربون في التربة الزراعية. والتقييم الحالي لإمكانيات خيارات التخفيف البيولوجي من الانبعاثات هو في حدود 100 جيغا طن كربون (تراكمي) عام 2050 وهو ما يعادل نحو 10 في المائة إلى 20 في المائة من الانبعاثات المتوقعة من الوقود الأحفوري خلال تلك الفترة. ويجري في هذا القسم تقييم التخفيف البيولوجي للانبعاثات في النظم الايكولوجية الأرضية بالتركيز على إمكانيات التخفيف والقيود الايكولوجية والبيئية والاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية. ويناقش أيضا بإيجاز ما يعرف باسم الهندسة الجيولوجية.
لا يمكن لزيادة مستجمعات الكربون من خلال إدارة النظم الايكولوجية الأرضية أن تعوض إلا جزئيا انبعاثات الوقود الأحفوري. وعلاوة على ذلك، فإن مخزونات الكربون الكبيرة قد تفرض خاطر زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المستقبل إذا توقفت ممارسات ضغط الكربون. فعلى سبيل المثال، فإن التخلي من مكافحة الحرائق في الغابات أو العودة إلى الحراثة الكثيفة في الزراعة قد يؤديان إلى خسائر سريعة في جزء على الأقل ن الكربون المجمع خلال السنوات السابقة. غير أن استخدام الكتلة الإحيائية كوقود أو خشب للاستعادة على المواد الأكثر كثافة في إنتاج الطاقة يمكن أن توفر منافع دائمة في التخفيف من انبعاثات الكربون. ومن المفيد تقييم فرص الامتصاص الأرضية بجانب استراتيجيات خفض الانبعاثات بالنظر إلى أن كلا الأسلوبين قد يلزمان للتحكم في مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
وتقترب مستودعات الكربون في معظم النظم الايكولوجية في نهاية المطاف من بعض المستويات القصوى. وتعتمد الكمية الكلية للكربون المخزون و/ أو انبعاثات الكربون التي تم تجنبها من خلال مشروع لإدارة الغابات في أي وقت معين على أساليب الإدارة النوعية (انظر الشكل 6). وعلى ذلك فإن أي نظام ايكولوجي يستنفد من الكربون نتيجة لأي أحداث ماضية قد ينطوي على معدل إمكانية مرتفع لتجميع الكربون في حين أن النظام الأيكولوجي الذي يستوعب مستجمع كربون كبير يميل إلى أن ينخفض فيه معدل امتصاص الكربون. فعندما تصل هذه النظم، في نهاية المطاف، إلى مستجمع الكربون الأقصى لديها، تتقلص القدرة الاستيعابية (أي معدل التغيير في المستجمع). وعلى الرغم من أن معدل الامتصاص، ومستجمع الكربون قد يكونا مرتفعين بصورة نسبية في بعض المراحل، لا يمكن الوصول بهما إلى حدودهما القصوى في آن واحد. وعلى ذلك، فإن استراتيجيات الإدارة في أي نظام إي!ولوجي، قد تعتمد على ما إذا كان الهدف هو زيادة التراكم في المدى القصير أو المحافظة على مستودعات الكربون بمرور الوقت. غير أن التوازن الذي يتحقق ايكولوجيا بين الهدفين يعترضه سجل الاضطرابات، وإنتاجية الموقع والإطار الزمني للهدف. فعلى سبيل المثال، فإن خيارات تعظيم الامتصاص بحلول عام 2010 قد لا تؤدي إلى تعظيم الامتصاص في 2020 و 2050. وفي بعض الأحيان، قد يؤدي تنظيم الامتصاص في 2010 إلى خفض مخزون الكربون بمرور الوقت.
وسوف تتأثر فعالية استراتيجيات التخفيف من الكربون، وأمن مستجمعات الكربون الممتدة بالتغييرات العالمية في المستقبل إلا أن تأثيرات هذه التغييرات سوف تتباين بحسب الأقاليم الجغرافية، ونمط النظام الايكولوجي والقدرات المحلية على التكيف. فعلى سبيل المثال، فإن زيادة ثاني أكسيد الكرب ون في الغلاف الجوي، والتعديلات في دورات المغذيات، والتغييرات (الاضطرابات الطبيعية أو المستحثة من الإنسان) في النظم يمكن أن يكون لها تأثيرات سلبية أو إيجابية على مستجمعات الكربون في النظم الايكولوجية الأرضية.
الشكل 6: توازن الكربون من مشروع افتراضي لإدارة الغابات ملاحظة: يبين الشكل التغيرات في المخزون التراكمي من الكربون- المخزون في سيناريو يشمل التشجير وحصاد مزيج من المنتجات الحرجية التقليدية مع استخدام بعض هذا الحصاد في شكل وقود. وتشير القيم إلى ما قد يمكن ملاحظته في جنوب شرق الولايات المتحدة أو وسط أوروبا. فإعادة النمو يعيد الكربون من جديد إلى الغابة، ويجري حصاد الغابة (الافتراضية)، كل 40 عاما مع ترك بعض المهاد من القش على الأرض لتتحلل، ويجري تجميع المنتجات أو التخلص منها في مقالب القمامة. وتوجد تغييرات صافية من حيث، مثلا، أن الشكل يبين وفورات في انبعاثات الوقود الأحفوري بالمقارنة لسيناريو بديل يستخدم الوقود الأحفوري وبدائله، أي المزيد من المنتجات كثيفة الطاقة لتوفير نفس الخدمات. |
وفي الماضي، كانت إدارة الأراضي تؤدي في كثير من الأحيان إلى خفض مستجمع الكربون إلا أن مستجمعات الكربون، ثبتت الآن في الكثير من الأقاليم مثل أوروبا الغربية، وأخذت في الانتعاش. وتزداد الغابات في معظم بلدان الأقاليم المعتدلة والشمالية رغم أن مستجمعات الكربون الحالية مازالت أصغر من تلك التي كانت هـ وجودة في عصور ما قبل الصناعة أو ما قبل التاريخ. وعلى الرغم من أن من المستبعد أن يتم استخلاص الكربون بصورة كاملة لإعادته إلى مستويات ما قبل التاريخ، فإن هناك احتمالا لحدوث زيادة كبيرة في مخزونات الكربون. وتشير إحصاءات منظمة الأهم المتحدة للأغذية والزراعة ولجنة الأهم المتحدة الاقتصادية لأوروبا إلى أن متوسط الزيادة السنوية الصافية تتجاوز معدلات قطع الأشجار في الغابات الشمالية والمعتدلة الخاضعة للإدارة في أوائل التسعينات. وعلى سبيل المثال، زادت مخزونات الكربون في الكتلة الإحيائية الشجرية الحية بنحو 0.17 جيغا طن كربون/ سنويا في الولايات المتحدة و 0.11 جيغا طن كربون سنويا في أوروبا الغربية مما أدى إلى استيعاب نحو 10 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الأحفوري في العالم في تلك الفترة الزمنية. وعلى الرغم من أن هذه التقديرات لا تشمل المهاد من القش أو التربة، فإنها توضح أن سطوح الأراضي تلعب دوراً كبيراً ومتغيراً في موازنة الكربون في الغلاف الجوي. وتوفر زيادة مستجمعات الكربون فرصا قوية كامنة للتخفيف من تغير المناخ.
غير أن متوسط الخسائر الصافية في مخزونات الكربون الحرجي مازال مستمرا رغم أن معدل إزالة الغابات قد يكون قد انخفض بصورة طفيفة خلال العقد الماضي. وفي مجال الأراضي الزراعية، تتوافر خيارات الآن لاستخلاص جزء من الكربون المفقود خلال تحويل الغابات إلى أراض عشبية.
الأراضي مورد ثمين ومحدود يستخدم في أغراض متعددة في يكل بلد. والعلاقة بين استراتيجيات التخفيف من تغير المناخ والاستخدامات الأخرى للأراضي علاقة تنافسية ومحايدة أو تكافلية. ويشير تحليل للدراسات إلى أن استراتيجيات التخفيف من الكربون يمكن متابعتها في شكل عنصر واحد من استراتيجيات أكثر شمولا تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة حيث لا تكون زيادة مخزونات الكرب ون سوى هدف واحد من أهداف عديدة. وفي كثير من الأحيان، يمكن تطبيق تدابير داخل الغابات والزراعة والاستخدامات الأخرى للأراضي لتوفير التخفيف من الكربون والتقدم في نفس الوقت أيضا لتحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية وبيئية أخرى. ويمكن أن يوفر التخفيف من الكربون قيمة ودخلا إضافيين لإدارة الأراضي والتنمية الريفية. فمن الممكن تكييف الحلول والأهداف المحلية لتتوافق مع أول ويات التنمية المستدامة على المستويات ال وطنية والإقليمية والعالمية.
وثمة عنصر رئيسي لتفعيل نشاطات تخفيف الكربون واستدامتها يتمثل في موازنة ذلك مع الأهداف الايكولوجية و/ أو البيئية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى لاستخدام الأراضي. فقد يكون الكثير من استراتيجيات التخفيف البيولوجي محايدا أو مواتيا للأهداف الثلاثة كلها، وتصبح مقبولة باعتبارها حلولا "بلا ندم" أو "للمكاسب المتبادلة". وفي حالات أخرى، قد تنهض الحاجة إلى حلول وسط. فالتأثيرات البيئية على كمية ونوعية الموارد المائية (وخاصة حيثما تعاني بالفعل من الندرة) والتأثيرات طويلة الأجل على إنتاجية النظام الايكولوجي. ويمكن تقييم التأثيرات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التراكمية في مشروعات أحادية، وأيضا من مناظير وطنية ودولية أشمل. وثمة مسألة هامة تتعلق "بالتسرب" - فمستجمع كربون ممتد أو محلوظ في إحدى المناطق قد يؤدي إلى زيادة الانبعاثات في مناطق أخرى. كما أن القبول الاجتماعي على المستويات المحلية والوطنية والعالمية قد يؤثر في مدى فعالية تنفيذ سياسات التخفيف.
تقارير أخرى في هذه المجموعة |